عبدالرب السلامي
منذ حوالي سنتين وبلاد اليمن تعيش حالة اللاحرب واللاسلم، فالمفاوضات متوقفة، والحلول العسكرية باتت مسدودة، والتحالف العربي يتجهز لإنهاء مهماته في اليمن، والأجواء الدولية مشحونة بصراعات حادة، ومعركة طوفان الأقصى -التي دخلت يومها الثامن والثمانين- غيرت ترتيب أولويات كثيرة في ملفات المنطقة.
في ظل هذه الأجواء برزت ثلاثة مستجدات، أعادت تحريك المشهد اليمني، الأول: إعلان المبعوث الأممي “هانس جروندبرج” عن خارطة طريق للتسوية السياسية، والثاني: دخول الحوثيين على خط المواجهة مع اسرائيل، والثالث: إعلان أمريكا عن تحالف في البحر الأحمر باسم “حارس الازدهار”.
إذا وضعنا هذه الأحداث الثلاثة في إطار النظر الاستراتيجي، لوجدناها كما يلي:
أولا: خارطة الطريق هي في الأصل مبادرة سعودية عمانية جاءت وفق استراتيجية “تصفير الأزمات” التي يتبناها البلدان الجاران، وهدفها: إنهاء الحرب في اليمن، وتجنب مخاطر أي حرب محتملة بين الغرب وإيران، والحفاظ على رعاية التسوية اليمنية في إطارها الخليجي. وهي بالنسبة لليمنيين فرصة الحد الممكن بعد انسداد كافة السبل الأخرى.
ثانيا: دخول الحوثيين على خط المواجهة، يأتي ضمن استراتيجية “حرب المشاغلة” التي تنتهجها إيران، وهي استراتيجية تجمع بين الفرص والمخاطر. فالحوثيون يرون فيها فرصة لرفع رصيدهم الشعبي وتقديم أنفسهم كسلطة أمر واقع تمثل اليمن، لكنها في نفس الوقت مخاطرة لاحتمال حصول ضربة عسكرية وفرض وجود إسرائيلي في الأراضي اليمنية.
ثالثا: تحالف البحر الأحمر، هو مطلب إسرائيلي دعا إليه مجلسا الحرب والأمن القومي الاسرائيليان، وقرار أمريكي جاء في سياق استراتيجيتي: “أمن إسرائيل و”أمن ممرات الطاقة”، واسمه مشتق من شعار صفقة القرن “الازدهار” وكأنه الذراع العسكري لها.
خطورة هذا التحالف التي تجعله مختلفا عن الأحلاف السابقة: أنه يأتي في لحظة ارتفاع أولوية “أمن إسرائيل” لدى صناع القرار الغربي منذ 7 اكتوبر، أو كما أسماها بيني غانتس: “حرب البقاء الثانية”، وبالتالي احتمال تراجع مواقف بعض الدول الغربية عن دعم خارطة السلام اليمنية لصالح الرؤية الاسرائيلية، وهي رؤية متطرفة ترى في اليمن كجغرافيا وديموغرافيا خطرا وجوديا عليها، وترى في استمرار النزاع في اليمن مصلحة قومية وفرصة لتفتيت مراكز القوة في المجتمع.
من بين هذه المستجدات تبدو خارطة الطريق الخيار الوحيد الممكن في هكذا ظروف. أما رهان البعض على المحور الإيراني في استعادة سيادة اليمن، ورهان البعض الآخر على التحالف الداعم لإسرائيل في استعادة دولة الجنوب، فهي رهانات واهمة، تدل على مدى عمق أزمتنا الفكرية قبل أزمتنا السياسية!
فسيادة اليمن لن تتحقق تحت عمامة خمينية، وكذلك دولة الجنوب لن تستعاد على ظهر بارجة صهيونية.