فقيرة لكنها عزيزة :
عنوانها الثورة والنضال !!
عادل الاعسم
* كلما مررت بمدينة الضالع في طريقي من صنعاء الى عدن او العكس – وغالبا ما أمر بها ليلا – يتناهى الى مسامعي طلقات الرصاص وأرى زخاتها سلسة حمراء في عنان السماء ، ليس من مكان واحد فقط ولكن من عدة امكنة واتجاهات ، وكأن هذه المدينة الصامدة مكتوب على جبينها انها ارض المعارك والشهداء والرصاص .
* اتذكر اول مرة مررت فيها بالضالع ، بعد تحقيق الوحدة اليمنية واستغربت حينها من هذه المديرية التي ملأ صيتها وصيت ابنائها دنيا الحكم والسلطة في الجنوب ، فيما كانت تعيش فقرا وجفافا وتخلفا في ابسط خدماتها الضرورية وفي مقدمتها المياة ، في الوقت الذي كان فيه الكثير من ( الضليعه ) يحتلون مفاصل هامة في السلطة الجنوبية ، حزبيا وحكوميا وعسكريا ويتبوأون مناصب ومواقع (تنفيذية) فعلا وليس مجرد ( صورية ) ويملكون حق اصدار القرار وقوة تنفيذه .
* وهل هناك اشهر واشجع واشرف واطيب واشهم من المناضل الوطني الكبير الشهيد علي احمد ناصر عنتر ، الذي كان في فترة من الفترات ( ابوها وامها ) في الجنوب لكنه عاش متواضعا ورحل فقيرا ، كما هي حال الضالع ، في صورة نادرة للوفاء والتوافق مع المنطقة التي انجبته ومنها بزغ نجمه الى الدنيا .
* جمعتني زمالة الدراسة والعمل والمهنة ، مصداقية الحياة بعدد وافر من ابناء الضالع ، في فترات مختلفة من العمر ، مازال حبل العلاقة مع بعضهم متواصلا ومتينا ، وبعض الذين غابوا عن العين لم تغيبهم الذكريات ومعظمهم – الا نادرا – وجدتهم رجالا ولم ار منهم في كل المواقف والاحوال الا الوفاء والنبل والشهامة والكرم ، على الرغم من انهم بشكل عام يجمع بينهم الفقر والكدح والشقاء والنضال .
* وتبدو الضالع والنضال وجهين لعملة واحدة ، ويبدو ان قدرها ان تبقى ثورية شكلا وجوهرا وهي اليوم بعد ان صارت محافظة ( اسما ) الا انها مازالت كما كانت اقرب الى مديرية ( واقعا ) بمرافقها ومؤسساتها ومنشآتها وخدماتها وادارتها الحكومية ، وكأن محافظها ( السابق او اللاحق ) مجرد ( مدير عام ) رمى به القرار والاقدار الى منطقة نائية تخدمه اكثر مما يخدمها !!
* نعم شهدت مدينة الضالع ملامح نهضة عمرانية بعد 94 م وبدت المباني ترتفع وتتعمر ، لكنها تبدو على حساب الانسان الذي بدأ من جانبه يهبط ويتذمر .. يتحطم ويتدمر .. والسبب – كما أظن – يكمن في ان السلطة ارادت ان تتعامل معها كمحافظة ( فقيرة ) لكنها لم تعرف كيف تتعامل كمنطقة أبية باسلة عنوان عزتها وكرامتها الثورة والنضال . والله اعلم
الفرسان العدد 58
30 / 6 / 2003 م