عيدروس نصر
حرصت طوال الأسابيع الماضية على التأنِّي في الخوض في فضية الأخ العميد علي عشال الجعدني، منذ بداية الضجة الإعلامية التي صاحبت ما تعرض له من اختطاف وتغييب وهو أمر مستنكر ومرفوض ما لم يكن عبر الاطر القانونية وبمبررات قانونية، وسبب التأني في التعرض للقضية هو غياب المعلومات والتفاصيل الوافية والمؤكدة والمحايدة، وهنا أود أن أشير إلى ما يلي:
أولاً: إن أي اعتقال أو اختطاف أو إخفاء لأي إنسان، خارج الأطر والقنوات والوسائل القانونية هو أمر مرفوض ومدان بغض النظر عن الجهة التي تقوم به، أو صفة أو مقام المستهدف وموقعه ووظيفته ومنطقته وقبيلته، ويبدو لي أن هذا ينطبق على ما تعرض له المواطن عشال كما تشير المعطيات المتوفرة.
ثانيا: ومع كل التضامن مع المقدم علي عشان وكل المطالبين بإنصافه ومحاسبة المتسببين في ما تعرض له، لا بد من التنبيه إلى خطورة محاولات تسيسس القضية أو تحويلها إلى قضية مناطقية أو مواجهات قبلية لا تستهدف نصرة المقدم عشال، بل تستهدف تمزيق اللحمة الوطنية الجنوبية وصرف أنظار الجنوبيين عن قضيتهم الوطنية الرئيسية باتجاه صراعات لا تخدم سوى أعداء الجنوب، ولا تضر إلا الجنوب وأبنائه وقضيتهم العادلة.
ثالثا: إن ما نقوله هنا لا يعني التغاضي عن قضية المقدم عشال والكثير ممن تعرضوا لمثل ما تعرض له، والبعض من فقدوا حياتهم في ظروف وملابسات غامضة أو مغيبة، بل لابد من أن تتخذ القضية مجراها عبر الأطر القانونية بدءً بالبحث الجنائي فالنيابة العامة فالمحكمة المختصة لإنصاف الضحية ولينال المخطئ جزاءه القانوني والعادل.
رابعا: إن الحديث عن مليونية التضامن مع عشال، باسم محافظة أبين لا تعبر عن أي مستوى من النضج السياسي أو عن إدراك المسؤولية الوطنية للداعين إليها وهي في كل الأحوال لا تخدم المقدم عشال وأنصاره في شيء بقدر ما تنطوي على مجازفات قد تضر الأخ عشال نفسه وع
الة قضيته، وأول هذه المجازفات، احتمال فشل ما يسمى بالمليونية، الذي سيؤدي إلى تهميش القضية وتذمر انصارها وتعرضهم للإحباط مهما كانت درجة عدالة ما يطالبون به.
خامسا: لقد كان توجيه الأخ اللواء عيدروس الزبيدي نائب رئيس مجلس الرئاسة ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بمشاركة السلطات الأمنية في ابين، بالبحث في االقضية والبحث عن المتهمين قرارا حكيماً، على أنصار عشال ونحن منهم أن ينظروا إليه كانتصار للحقيقة وليس تغلبا لجهة جنوبية على أخرى أو منطقة جنوبية على منطقة جنوبية أخرى.
سادسا: لقد تنادت أصوات وكتابات من جماعات أنصار الحوثي، وأنصار حزب الإصلاح وحتى بعض أنصار المؤتمر والرئيس العليمي، للزخف من محافظات الشمال على عدن بحجة مؤازرة قضية عشال، وعلى العقلاء من أبناء أبين وغير أبين أن يدركوا ما وراء هذه الدعوات التي يتوجه بها أناس ما تزال ديارهم وقراهم واهلهم تحت الهيمنة والقمع الحوثيين، أما عندما تتحد الأصوات الحوثية والمعارضة لها فإن حتى القُصَّر سيدركون ما خلف هذا الاتحاد، وهو ما حذرنا منه منذ وقت مبكر.
لقد سمعنا أصواتاً من أبين ممن يحشر أصحابها قضية الدين والإيمان والاصالة والقبيلة في هذه القضية التي هي جنائية بامتياز ، حيث قال أحدهم ” إن هؤلاء (يقصد الجناة في حق المقدم عشال) لا دين لهم ولا شرف ولا قبيلة ولا اصالة “، متحدثاً عمن يعتقد أنهم وراء إخفاء المقدم عشال، وهذا الحديث مؤسف ومخزن لأنه يعيدنا إلى أجواء حرب ١٩٩٤م حينما أفتى أساطين نظام صنعاء وفقهائه باستباحة دماء وأرواح الجنوبيين، بحجة أنهم كفار وملحدون.
وأخيرا لقد قرأت وسمعت دعوات عديدة لأنصار المقدم عشال والمتعاطفين معه من أبناء ابين، تدعو إلى التعقل والمسؤولية في التعامل مع القضية وعدم تسييسها، وتمكين أجهزة البحث والقضاء من القيام بمهمتها القانونية لكشف كل ملابسات القضية ومحاسبة كل من ارتكب ما يجرمه القانون وما يسيء إلى الكرامة الإنسانية والحرية الشخصية للأخ عشال أو أي مواطن أو مواطنة بغض النظر عن صفتهم او مكان ميلادهم او انتمائهم الجغرافي والجهوي والمهني.
فتحية لاصحاب هذه الاصوات المسؤولة والمتعقلة.
والله ولي الهداية والتوفيق.