باسم فضل الشعبي
لم توقف جماعة الحوثي هجماتها على قوات الحكومة الشرعية والتحالف في مناطق مختلفة من اليمن، اذ ما تزال حرب البر مستمرة. وخلال اليومين الماضيين استهدفت قوات الحوثي بالصواريخ منطقة بيحان في محافظة شبوة شرق اليمن، في الوقت الذي قصفت فيه بالقذائف مناطق في محافظتي لحج والضالع جنوبا. وهذا يؤشر ان الحرب بين الاطراف اليمنية ما تزال مستمرة، لكن طرفا يلعب كمهاجم وهو الحوثي، والاخر يلعب كمدافع وهو الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
البر اليمني ايضا شهد حربا جديدة او فلنقل قصفا مستمرا منذ اسبوعين تقريبا من قبل القوات الاميركية والبريطانية على اهداف لجماعة الحوثي في مواقع مختلفة لمحافظات عديدة شمال البلاد، منها العاصمة صنعاء. هذا يحدث كما هو معلوم ردا على المعركة او الحرب في البحر الاحمر التي بدأتها جماعة الحوثي منذ عدة اسابيع في استهداف سفن تجارية دولية تابعة لإسرائيل او متجهة لموانئها، الامر الذي يجعل اليمن الجريح الان محاصرا بحربين من البر والبحر، تؤجل عملية احلال السلام وتجعله صعب المنال على الاقل في القريب المنظور.
ان تأجيل احلال السلام في اليمن، وانهاء كافة اشكال الصراعات والحروب فيه، يخدم اطرافا اقليمية وربما دولية لا تريد لليمنيين ان ينخرطوا في سلام دائم وحوار ندي لمعالجة كافة الملفات السياسية والاقتصادية والانسانية وغيرها. والهدف من ذلك هو ان هناك من يرى في استمرار الحرب العسكرية في الداخل اليمني مبررا لاستمرار حروب اخرى ايضا، منها الحرب الاقتصادية التي خلقت ازمات كبيرة ساهمت في انهيار العملية المحلية اليمنية امام النقد الاجنبي، وتدهور الحالة المعيشية للسكان بصورة غير مسبوقة، وتوقف دفع المرتبات الشهرية، وتردي مستوى الخدمات العامة، وغيرها. وهذا في تقديري يقود الى تحلل الدولة في اليمن ويضعها على مقربة من الانهيار الوشيك وانزلاقها صوب الفوضى، وهذا هو بيت القصيد من استمرار الحرب كل هذه السنوات التسع دون توقف، اذا ما اعتبرنا ان هذه الحرب لم تعد شانا يمنيا داخليا وانما حربا بالوكالة بين التحالف بقيادة السعودية والامارات وبين ايران ومن الخلف تقف قوى دولية كبرى.
مشروع التقسيم في اليمن ليس مشروعا جديدا، بل هو مشروع قديم يتجدد الان، اذ اصبح اليمن حاليا بعد تسع سنوات من الحرب ممزقا ومنقسما ليس على اساس شمال وجنوب فحسب، بل كل شطر منه منقسم على بعضه الى عدة كانتونات، يقع الجنوب وعدد من المناطق المحررة تحت سيطرة قوات الشرعية والانتقالي المدعومة من التحالف، فيما اكثر الشمال يقع تحت سيطرة الحوثين المدعوم من ايران، في الوقت الذي تسيطر احدى دول التحالف على اهم جزيرتين في البلاد، وهما جزيرة ميون المطلة على باب المندب، وسقطرى الواقعة في المحيط الهندي، ويحدث ذلك في موازاة اعادة احياء رغبات وطموحات قديمة لدى السعودية بضم حضرموت والمهرة اليها بهدف الحصول على منفذ على بحر العرب، فضلا عن كون المحافظتان اليمنيتان الواقعتان الى الشرق تعدان من اغنى المحافظات اليمنية بالثروات النفطية والمعدنية، كالذهب وغيره، في الوقت الذي تتمسك الامارات برغبتها في الحصول على سقطرى وميون، وايضا المخا، وربما عدن في حال انهارت الدولة اليمنية ووقعت من جديد في براثن التقسيم، في الوقت الذي ستجد ايران حصتها ايضا كلاعب اقليمي ثالث.
هذا الامر يجعل الحرب الدائرة في البحر الاحمر وباب المندب وخليج عدن، ليست حربا عادية كما ينظر اليها اليمنيون، وانما هي حرب مخطط لها ويراد منها السيطرة على الممرات والمنافذ البحرية اليمنية الممتدة من بحر العرب مرورا بخليج عدن وصولا للبحر الاحمر، وهي اهم الممرات البحرية في العالم التي تمر عبرها يوميا اكثر من ثلث التجارة العالمية، واكثر من ربع وقود الطاقة العالمي بين الشرق والغرب.
اذن اليمن تواجه تحديا صعبا للغاية، وليس هناك من سبيل للحفاظ على هذا البلد العربي المهم والجميل متماسكا ومستقرا وامنا، الا بالعودة للحل السلمي لإحلال السلام وايقاف الحرب الداخلية اولا، واطلاق عملية سياسية بمشاركة كافة الاطراف الفاعلة على الارض، ولكن هذا في تصوري لن يحدث الا بوقف الحرب في البحر وتوصل الحوثين الى صفقة او اتفاق مع اميركا تنهي التوتر في طريق الملاحة الدولية، يقابله اسقاط تصنيف الحوثين ككيان ارهابي، كي يتمكن من الانخراط في الحوار والتسوية، قبل ان يقع اليمن في مستنقع الانهيار والفوضى، ونجاح مشروع او مخطط التقسيم.
ولا يعني ذلك انه لا توجد خيارات اخرى، بل بالعكس هناك خيارات امام السلطة الشرعية لاستعادة ما تبقى من اليمن، ولا يوجد وقت مناسب اكثر من المتاح حاليا، ولكن كي تفعل الشرعية ذلك، فانه يلزمها الكثير من العمل والتنسيق، وايضا التحرر من الارتهان، واعادة ترميم الجبهة الداخلية.